نشرة الحقائق العلمية | الهندسة الوراثية للمحاصيل |
في أواخر القرن العشرين إبتكر العلماء طُرُق لتعديل جينات النباتات على مستوى الخلية. لقد حاول الإنسان على مدى العصور أن يجري تعديلات على النباتات لتعطي محصولا أكبر و تصبح قادرة على مُقاومة الحشرات و الآفات, لكن إجراء تعديلات على مستوى الجُزيىء (molecule) جعل الناس تتسائل إذا كان العلم قد ذهب بعيدا بتصوّراته. و توحي الدراسات الحديثة إلى أن بعض المحاصيل المعدلة وراثيا تشكل خطرا على صحة الإنسان و على أشياء اخرى. و مع ذلك, يشير المناصرين لتعديل النباتات وراثيا إلى زيادة المحصول و الفوائد العائدة منه على الصحة. سيكشف لنا العالم "ريك ويس" من جريدة الواشنطن بوست عن القضايا البارزة المتعلقة بتعديل المحاصيل وراثيا.
ستقرأ في هذه المقالة عن: الخلاف حول الهندسة الوراثية للمحاصيل | ظهور تكنولوجيا الأحياء | الوعد بمحاصيل مهندسة وراثيا | جذور الثورة المناهضة للهندسة الوراثية | إزدياد المعارضة في الولايات المتحدة على هذه المحاصيل | الفوائد العائدة على الشركات الكبرى من المحاصيل المهندسة وراثيا | توافق المصالح بين الشركات و المزارعين
الخِلاف حَول المَحَاصِيل المُعَدَّلة (أو المُهَندسة) ورَاثيا
في الأيام الحديثة في الريف الإنكليزي إتجه بعض الأشخاص المرتدين زيّهم الأبيض إلى حقل أخضر رائع. كانوا يعملون في الحقل بشكل إنتظامي مدركين أن الشرطة ستصل قريبا, و كانوا يلفّون شريطا بلاستيكيا حول الحقل. ثم فتحوا حقيبة تحمل علامات مواد حية خطيرة, و بدؤا بإقتلاع المحاصيل المزروعة في الحقل. كانت المحاصيل قد جرى عليها تعديل جيني من قبَل شركة "Monsanto" لجعلها تحتوي على جرثومة معينة. و كانت هذه الجينة تعطي المحصول ميزة مقاومة مبيد للأعشاب, مصنوع من قبَل الشركة نفسها (أي لا تتأثر النباتات بالمبيد إذا تم رشه وهي مزروعة).
في غضون دقائق من صباح ذلك اليوم في يوليو (تموز) من عام 1998, وصل أكثر من 20 شرطيا بريطانيا إلى الحقل, و حامت طائرة هليكوبتر حول المكان. أمر الشرطيون الأناس الموجودون في الحقل بالتوقف عن عملهم المدمّر. قال قائل منهم "لا نريد". قال آخر "لدينا عمل نريد القيام به, إذهبوا و أوقفوا Monsanto لأنها تدنّس جينات محاصيلنا".
تم توقيف المجموعة و لكن بعد أن أدلت ما عندها. و بعد ثماني عشرة شهرا قام حشود من المحتجين بالإقدام على إتلاف محاصيلهم و قاموا بإشتكاء Monsanto للقُضاة. و هكذا بدا و كأن العصر الجديد لعلم الأحياء الزراعي سيكون عاصفا.
إن جهود الإنسان لتعديل مزايا النبات ليس أمرا جديدا, فكان الناس في العشرة آلاف سنة الأولى لبدأ الزراعة يفضلون أنواع المحاصيل الجيدة: بحيث يحتفظون ببزور أفضل النباتات لديهم ثم يزرعونها من جديد. ثم بدأت عملية الإكثار بالإنتخاب (selective breeding) عام 5000 ق.م, و أتاحت هذه العملية للمزارعين الفرصة لتحسين جودة محاصيلهم. حدثت بعد ذلك تطوّرات بطيئة في هذا المجال, و لكن الطفرة تحققت مع بدأ الثورة العلمية في عصر النهضة الأوروبية. و في الواقع, و نتيجة لهذه التطورات, إن كثيرا من المحاصيل تغيرت عن ما كانت عليه بالماضي.
في السنوات الأخيرة الماضية, حدثت تغيّرات في مجال الزراعة - الذي طالما لم يطرىء عليه تغيّرات كبيرة - لم يسبق لها مثيل. حدث هذا التغيّر عندما طوّر العلماء أساليب لتعديل جينات النبات. و الجينات, كما نعلم, هي الوحدات الوراثية الأساسية التي تحدّد الخصائص التي يرثها أي كائن حي.
قبل ظهور التكنولوجيا الحيوية (biotechnology), كان المزارعون يزوّجون فصائل النباتات المتقاربة الصنف ليحصلوا على أنواع مهجّنة (hybrid), وبالتالي كانوا يقومون بتكثير هذه النباتات المهجّنة و اختيار السلالة المرغوبة. إلا أن لهذا النوع من التعديل الجيني (genetic modification) عيوبه الخاصة: كعدم القدرة على تكثير جميع أصناف النباتات. أما زمننا هذا, لم تعُد مشاكل إختلاف أصناف النبات تعيق العلماء, بل أصبحوا قادرين على إستئصال جينات من كائنات لا علاقة لها بالنبات - كالفيروسات, و البكتيريا, و حتى السمك و باقي الحيوانات - ثم يدمجوها مع جينات النبات. و بهذه الطريقة, إنهم يعيدون صياغة ما كان يفعله الإنسان, في تعامله مع المحاصيل, في العصور القديمة.
لقد وضع المؤيدون للتعديل الوراثي للنبات رؤية واضحة لمستقبل تكنولوجيا الأحياء في مجال الزراعة. إنهم يرون عالما ستصبح فيه المحاصيل المعدلة وراثيا هي السائدة, بحيث ستُقدّم هذه المحاصيل غذاءا أفضل, و قدرة كبيرة على مقاومة الحشرات والآفات, و قدرة على النمو في بيئات مُعادية (كنمو المحاصيل الشتوية في الصيف..). و لكن هذه الرؤية ليس مؤيّدة عموما, فبعض المزارعين, و المستهلكين, و ناشطي البيئة, و الحكومات, أبدوا قلقهم حيال تلك المحاصيل التي يُؤمنون أنها تشكل خطرا على الإنسان, و البيئة, و التنظيمات الريفية. و مع حلول أواخر التسعينيات من القرن العشرين, تزايدت المخاوف من تلك المحاصيل و بات يُرى أن الخلاف لن ينتهي بسهولة.
ظهور تكنولوجيا الأحياء (biotechnology)
ظهرت تكنولوجيا الأحياء في مجال الزراعة في أوائل الثمانينات. و كان التقدم المفاجىء و الرئيس في هذا المجال هو إكتشاف بكتيريا معينة قادرة على إدخال أو حَقْن النبات بجينات من فصائل حية اخرى. و ما لبث الباحثون ان تعلموا كيفية عزْل أو فصل الجينات النافعة, خاصة تلك المسؤولة عن مقاومة الآفات, و الحشرات, و الجفاف.
و مثالا على ما قد ورد, كان هناك بكتيريا مسببة لمرص سرطاني عند النبات, بحيث كانت تدخل الجرثومة النبات عبر جُرح أو شُق فتصيب النبتة و النباتات المجاورة. و لما استبدل العلماء الجينات المسؤولة عن المرض في الجرثومة بجينات تُنتج ميزات مرغوب بها عند النبات (كخاصية ضخامة الثمار, أو تحمل الصقيع ..), تحوّل عمل الجرثومة إلى توصيل هذه الميزات إلى النباتات بدلا من توصيل المرض.
خلال العشرين سنة التالية, طوّر العلماء طُرُق عديدة لحَقْن الجينات في النبات. فبدلا من توصيل الميزات المرغوبة إلى النبات بواسطة الجراثيم, توصل العلماء إلى طريقة مبتكرة وهي عبارة عن وضع بعض المواد الكيماوية على غشاء النبتة بحيث تسمح بمرور الجينات المطلوبة إلى الداخل.
ظهر أول محصول معدل وراثيا, و مُعد للإستهلاك, في الولايات المتحدة الأمريكية, و كان هذا المحصول هو "الطماطم" , و التي عدّلته وراثيا شركة (Food and Drug Administration (FDA عام 1994. و لاحقا في تلك السنة, طوّرت شركة Asgrow Seed Company بزور مقاومة للأمراض, والتي كانت ثاني المحاصيل المعدلة وراثيا و المستحسنة لدى الأمريكيين.
لقد تلقّت تكنولوجيا الأحياء في مجال الزراعة دفعة قوية في أواخر 1996عندما بدأ الباحثون في شركة Monsanto بتسويق نوع جديد من فول الصويا. كان هذا المحصول قد اجري عليه تعديلات وراثية لجعله يقاوم تأثير مبيدات الأعشاب - السامّة - التي كانت تنتجها الشركة. قبل هذا, كان الفلاحون يقومون بإقتلاع الأعشاب بأيديهم - دون إستعمال مبيدات الأعشاب - في حقول فول الصويا, و كانت هذه الطريقة مملّة و مستهلكة للوقت. و أتاح النوع الجديد من فول الصويا المسمى "Roundup" الفرصة للفلاحين برش حقولهم بمبيد الأعشاب من غير القلق على صحة محاصيلهم. وبحلول عام 2000, أصبح هناك اكثر من 14 مليون هكتار (الهكتار = عشرة آلاف متر مربع) مزروع بمحصول "Roundup" في الولايات المتحدة.
لم يمضى الكثير حتى طال التعديل الوراثي محاصيل أخرى - كالذرة. و مع حلول عام 1999 أصبحت 40% من مجمل محاصيل القطن في الولايات المتحدة معدّلة وراثيا و محتوية على جينة Bt. و ساعد التعديل الوراثي نبات القطن على محاربة أكثر حشرة مدمّرة له: دودة القطن. والجدير بالذكر هو أن نصف المبيدات الحشرية في العالم كانت تُستعمل, قبل التعديل الوراثي, على القطن.
بحلول عام 2000 أصبح هناك أكثر من أربعين محصولا معّلا وراثيّا مصدّقا عليه من قبل الفدرالية لتسويقه في الولايات المتحدة. و كانت معظم تلك المحاصيل معدّلة لغرض تحسين مستوى الإنتاج و كمية المحصول. و كانت بعض تلك المحاصيل قد حُقنت بجينات فيروسيّة لحمايتها من أمراض معينة, و يمكن أن نشبه ذلك باللقاحات التي يُحقن بها الإنسان لتفادي الإصابة بأمراض معيّنة. كما استخدمت البكتيريا في عمليات التعديل الوراثي تلك. و الجدير ذكره هو أن البكتيريا طوّرت وظائف لم تكُن موجودة في النبات من قبل: كتزويد النبات بخاصيّة مقاومة السّموم و البرودة. و إضافة على ذلك, اُجريَت تجارب على جينات السمك المُفلطح, الذي يعيش في المياه الباردة, و ذلك بحقنها في النبات لجعلها قادرة على مقاومة الصّقيع.
لقد أضاف العلماء جينات غذائية للمحاصيل لكي يرفعوا نسبة الدهون, و الزيوت, والفيتامينات, و العناصر الغذائية الأخرى فيها. ففي إحدى الجهود الطبية الواسعة, تم تطوير سلالة من الأرزّ الذي يحتوي على ثلاثة جينات تسمح له بإحتواء مادة beta carotine التي يحوّلها الجسم إلى فيتامين أ. فهناك 250 مليون طفل في العالم يصابون بنقص الفيتامين أ الذي يعتبر السبب الرئيس للعمى.
لم تقتصر
ثورة تكنولوجيا الأحياء تعديل المحاصيل ورائيا من أجل زيادة الإنتاج, بل إستغل الباحثون عملية
التعديل الجيني
لجعل بعض النباتات تُزيل أو تتخلّص من بعض الملوّثات - كالسموم الموجودة في التربة
و التي تكون الواقعة بجانب مواقع قديمة للذخيرة, مثلا. و كان نبات التبغ مثلا قد حُقن ببكتيريا
تجعله قادر على تحليل مادة TNT المتفجّرة إلى مادة غير
سامّة. و علاوة على ذلك, إستغل الباحثون التعديل الوراثي لتوكيل النبات مهمات
عديدة: كمهمة إنتاج أجسام مضادة
(antibody)
لكي يستفيد منها الإنسان,
أو إنتاج مواد بلاستيكية - و الذي يظن البعض أنه سيفتح الأبواب لتطوّرات مستقبلية كثيرة في
مجالات
الأدوية والصناعة.
الوعد بمحاصيل مهنسدة وراثيا
إن مناصري الهندسة الوراثية يقارنون هذه التكنولوجيا الجديدة
بالثورة الخضراء التي حدثت عام 1960. كانت نتائج تلك الثورة متمثلة بزيادة إنتاجيّة
المحاصيل الزراعية في البلدان النامية, وكانت السبب وراء ذلك إمداد الشركات الكبرى
للفلاحين بأنواع جديدة من
المحاصيل, و بالمبيدات الحشرية, و بالأسمدة. و مع ذلك, و بالرغم من تلك الخطوات التي
دفعت الإنتاج الزراعي إلى الأمام, ظل هناك أكثر من 800 مليون إنسان في العالم تحت
قمع الجوع, و معظمهم يعانون من سوء حاد في التغذية كما يشير البنك الدولي. و
في غضون ذلك, يستمر إرتفاع عدد السكان في العالم, كما تشير الأمم المتحدة إلى أن
أعداد السكان ستصل إلى 8 مليار بحلول 2025, و ناهيك عن مشكلة نقص المياه التي ستصيب
العالم.
يقول مناصري الهندسة الوراثية بأن الضغوطات التي يواجهها العالم تتطلّب حدوث ثورة خضراء أخرى, إلا أن الأسمدة و المبيدات الحشرية, التي تؤثّر سلبا على البيئة, لن تكفي أعداد المزارعين الهائلة هذه المرّة. لذلك سيكون البديل برأيهم إجراء تعديلات وراثية على النباتات لإنتاج أنواع جديدة مكافحة للحشرات, و تستطيح تتحمّل الجفاف أكثر, و تتميز بجودة غذائية أفضل. و تضيف منظمة الأغذية و الزراعة (FAO) قائلة " إن التكنولوجيا الحيوية مجتمعة مع التقنيات الأخرى قادرة على تأمين حلول لبعض المشاكل القديمة كالأمن الغذائي ".
جذور الثورة المناهضة للهندسة الوراثية
بدأت ثورة تكنولوجيا الأحياء و كأنها تكسب القوّة الدافعة لها في منصف التسعينيات. و لكن في عام 1997 و 1998 قامت بعض الجماعات الأوروبية بالتعبير عن معارضتها لعملية التعديل الوراثي للمحاصيل. و مع حلول 1999 إتسعت هذه الحركة المعارضة لتشمل الولايات التحدة و آسيا.
فمن المسائل التي إحتج عليها المعارضون هي إمكانية تأثير المحاصيل المعدلة وراثيا سلبا على صحة الإنسان. و رأت الدراسة التي نُشرت في صحيفة New England Journal of Medicine عام 1996 أن فول الصويا, الذي تم تعديله بواسطة إدخال جين من نبات الجَوز البرازيلي, سوف يُحدث تفاعلات مؤذية لدى الناس الذي لديهم حساسية لنبات الجوز البرازيلي. و عقب هذا الإكتشاف, توقّفت شركة Hi-Bred عن الترويج لفول الصويا المعدّل وراثيا. و بالرغم من الإكتشاف, لم تعط الشركات المنتجة للبذور أهمية للأمر مما جعلها تواجه وابل من التسائلات من المستهلكين و الناشطين في هذا المجال. طالب الحشود تلك الشركات بإجراء فحوص مسبقة على البذور المعدلة وراثيا لمعرفة إذا ما كان ينتج عنها حساسية لأي محصول.
في ما يتعلق بالمحاصيل المعدّلة وراثيا لمقاومة مبيدات الأعشاب, أبدى المناوئون قلقهم حيال هذا الأمر, و خاصة تجاه فول الصويا. و أبدى المعارضون قلقهم حيال إحتمال قيام فول الصويا, المعدّل وراثيّا, بتلقيح الأنواع البريّة الموجودة في الحقول, مما يجعلها أيضا مقاومة لمبيدات الأعشاب. و هذا النوع من الحوادث تجلّى في كندا عندما فشل مبيد Roundup بإبادة نبات الكانولا البرّي الذي ينموا إلى جانب الطرقات و الذي كان سببه هو تلقيحه مع نباتات من الكانولا المعدلة وراثيا. و إضافة إلى المخاوف من إنتشار تلك النباتات البريّة المقاومة لمبيدات الأعشاب, تنبّأ بعض الخُبراء بأن بعض النباتات الحاملة جينة Bt toxin, المسؤولة عن إفراز مادة مقاومة للحشرات, ستسرّع من عمليّة نشوء حشرات مقاومة لذلك المبيد الحشري.
قادت تلك المخاوف الأوروبيين للتوقف عن إستيراد محاصيل معدلة وراثيا من الولايات المتحدة. ففي أواخر عام 1990, و نتيجة لهذه المخاوف, طالب بعض الناشطين بإجراء عمليات تطهير للأراضي من المحاصيل المعدلة وراثيا. و في عام 1998 شُنّ هجوم على محاصيل الكانولا في بريطانيا التي تُنتجها شركة Monsanto , و كان الحدث هو الأول من بين أحداث كثيرة أخرى حصلت آنذاك في بريطانيا.
إن إستياء أوروبا من المحاصيل المعدّلة وراثيا قرع ناقوس الخطر في العلاقات التجارية بينها و بين الولايات المتحدة. ففي عام 1999 تابع الإتحاد الأوروبي رفضه لإستيراد آخر أنواع الذرة المعدّلة وراثيا و التي تنموا في الولايات المتحدة, مما أدى إلى خسارة أمريكا 200 مليون دولار في السنة.
حتى صيف عام 1999 لم يكن الشارع الأمريكي متورّطا عاطفيّا في مسألة تطبيق التكنولوجيا الحيوية في مجال الزراعة. كان ذلك الصيف هو الوقت الذي نشر فيه بعض العلماء في جامعة Cornell دليلا واضحا بأن غبار الطلع النامي على أزهار نبتة الذرة - المحتوية على جينة Bt toxin - قد يُبيد الفراشات الصديقة للبيئة.
و فجأة, و بعد إنتشار الخبر, أصبح العديد من الأمريكيين مدركيين خطورة تلك المحاصيل, و عرفوا أيضا أن فول الصويا المعدّل وراثيا موجود في جميع أطعمتهم المفضلة: كاللبن, و الأطعمة المثلّجة. و كان فول الصويا داخل في 60 % من معظم الأطعمة المصنّعة. و عرفوا أيضا أن زيوت بذور القطن المعدّلة وراثيا موجودة في أكياس البطاطس.
ذهب بعض الناشطين في الولايات المتحدة, و بعد أن تعلّموا من نظرائهم في بريطانيا, إلى تخريب الحقول المزروعة بالمحاصيل المعدّلة وراثيا. قامت بعد ذلك دراسات حديثة عدّة للتحقّق من صحّة تأثير الذرة المعدّلة وراثيا على الفراشات. ولكن نشأت حركتين من المستهلكين المناوئين للهندسة الوراثية للمحاصيل, و حشدتا إهتمام الناس. طالبت إحدى الحركتين بتصنيف المحاصيل المعدّلة وراثيا بحيث يمكن للناس التمييز بينها و بين المحاصيل العاديّة. كما أقر الإتحاد الأوروبي قانون مماثل و لكن تم تأجيله بسبب الخلاف حول مدى الشدّة أو الصرامة الواجب إتباعها في تطبيقه.
عارضت منظمة الغذاء و الدواء (FDA) في الولايات المتحدة مسألة تصنيف المحاصيل بحجة أن المحاصيل المعدلة وراثيا مشابهة بالمحاصيل التقليدية. و لكن إقترحت المنظمة تصنيف المحاصيل و تمييزها في حال طوّرت موادها الغذائية. قال بعض المتابعون للقضية أن منظمة الغذاء و الدواء كانت تسعى لتسوية هذه المسألة. كان الشيىء الوحيد الممكن إجرائه من قبل الحكومة هو السماح للشركات بأن تتطوّع بإلصاق رقعات على منتجاتها تكشف إذا كان المنتج معدّل وراثيا أم لا.
كان في الولايات المتحدة في ذلك الوقت ثلاث جهات مسؤولة عن تسويق المنتجات المعدّلة وراثيا, وهي : الإدارة الأمريكية للزراعة (USDA), و وكالة حماية البيئة (EPA), و منظمة الغذاء و الدواء (FDA). تاريخيا, لم تُقر تلك الجهات الثلاث يوما بأن عملية تعديل المحاصيل يجب أن تكون بشكل نظامي, أو على الأقل أن تخضع المحاصيل المعدّلة لدراسات معيّنة للنظر في عوارضها. لذلك أثار تصرف تلك الجهات إستياء عام.
و بعد فشل تلك الجهات بتسوية الأمر, قامت بعض الجهات الصناعية الكبرى في الولايات المتحدة بشن حرب إعلامية على الطرف الآخر مما جعلها تكسب ثقة الناس. بعد ذلك, إنتشرت ثقافة الإستياء تجاه المحاصيل المهندسة وراثيا في أرجاء العالم. و بالنهاية, لم يتوصّل الأطراف إلى حل تجاه المسألة, بل أظهرت بعض الدراسات التي أجريت عام 1999 نتائج متناقضة.
هل تعود الأولوية للربح ؟
إن الذي جعل الخلاف يتفاقم و يزيد الطين بلّة هو الوضع السائد في المناطق الريفية حول العالم. ففي هذه المناطق, تنتشر المحاصيل المعدّلة وراثيا بكثرة, وهذا يجعل الفلاحين مرتبطون إقتصاديا و إجتماعيا بالشركات المصنعة للبذور. والعديد من النقّاد يقلقون حيال إمكانية قيام هذه الشركات بفرض نفوذها الإقتصادي على الفلاحين. و يشير النقّاد على سبيل المثال إلى إقدام بعض الحكومات على منح تلك الشركات براءات إختراع على أنواع عديدة من البذور و النباتات التي كانت في السابق موارد عامّة متاحة للجميع, فلا يستطيعون الحصول على البذور إلا من خلال تلك الشركات.
يتخوّف النقّاد بأن تزداد إعتماديّة الفلاحين في البلدان النامية على المحاصيل المعدّلة وراثيا مما يجعلهم "أسرى تكنولوجيا الأحياء". و هم يتصوّرون أيضا بأن تكنولوجيا الأحياء لن تساعد الفلاحين على إنتاج محاصيل كافية بل ستلعب دور المُحتكر. و تُوضّح القصة التالية المسمّاة بجينة الخيط الفاصل دقّة ما يتخوّف منه هؤلاء.
تتكون الجينة المسمات بالخيط الفاصل (Terminator Gene) من ثلاث جينات يتم إدخالها على المحاصيل المُراد تعديلها وراثيا, و تنتج عن هذه العملية إصابة بذور المحصول بعد النضج بالعقم, فلا يمكن الإحتفاظ بها و زراعتها من جديد. طوّر هذا النظام باحثين في الإدارة الأمريكية للزراعة (USDA), و الإسم الحقيقي لهذا النظام هو: نظام الحماية التكنولوجي (TPS). و لكي يتوضّح المفهوم أكثر, إن التكنولوجيا المسماة بـ "الخيط الفاصل" المستعملة في تعديل المحاصيل وراثيا هي الأداة التي تجعل المزارعين يشترون البذور من الشركات الكبرى كل سنة. في السابق كان المزارع يحتفظ بكمية بسيطة من البذور الناتجة عن محاصيلهم و ذلك لزرعها في الموسم القادم, أما مع تكنولوجيا "الخيط الفاصل" لم يعد بإمكان المزارع الذي يزرع بذور معدّلة وراثيا بالإحتفاظ بالبذور الناتجة عن تلك المحاصيل. و لو كانت المحاصيل المعدّلة وراثيا تنتج بذور قادرة على الإخصاب لكان المزارع إشترى تلك البذور مرّة واحدة. قبل ظهور هذه التكنولوجيا, كانت شركة Monsanto , و هي إحدى أكبر الشركات المنتجة للسلع الزراعية و الكيميائية في الولايات المتحدة, تبيع البذور بعد أن تُبرم الشركة إتفاقا مع الفلاح بأنه لن يحتفظ بأي بذور لغرض زرعها مرّة أخرة أو لغرض المتاجرة بها.
إن هذه التكنولوجيا مستمرّة بالتطوّر
و قد تم إتاحة إستعمالها في عام 2002. لذلك, عبّر الفلاحون في البلدان
النامية بشكل خاص عن إستيائهم تجاه تلك التكنولوجيا التي ستضع حد لمصدر عيش هؤلاء
الفلاحون العاجزين عن شراء تلك البذور المرتفعة الثمن.
توافق المصالح بين الجهتين
تعمل بعض المنظمات الدولية على تعزيز التوافق بين المعارضين و
المناصرين لتكنولوجيا الأحياء. فمن الإقتراحات التي تقرّها تلك المنظمات هي إنتاج
أنواع عدّة من المحاصيل المعدّلة وراثيا و وضعها مجانا تحت سيطرة الفلاحين في
البلدان النامية. و على سبيل المثال, ستوزع مؤسسة Rockefeller
صنف الأرزّ المعدّل وراثيا بمادة beta carotene على
هؤلاء المزارعين.
و من الحلول التي ساعدت في تقليص حدّة الأزمة هي إتفاقية الأمن البيولوجي الدولية التي وقّعت عليها 130 دولة عام 2000 في مونتريال, كندا. و بالرغم من عدم إحاطة الإتفاقية بكل الحلول, إلا أنها تضْمن عدم إنجراف تكنولوجيا الأحياء إلى ما يهدد البيئة و صحة الإنسان.
> للمزيد
من المعلومات عن الموضوع:
1-
الهندسة الوراثية - منتدى زراعة نت
Encyclopedia Encarta |
المصدر: |
|
----- >> عودة إلى الصفحة الرئيسية للزراعة |
|
عوني الطحش |
تعريب: |