كتب د. مجد جرعتلي لزراعة نت: مع ارتفاع معدل النمو السكاني في الوطن العربي والذي يقرب من 3% في السنة (وهو من أعلى معدلات الزيادة السكانية في العالم) فمن المتوقع وصول عدد سكان الوطن العربي في نهاية عام 2010 إلى ما يزيد عن (360 مليون نسمة) والذي سوف يؤدي حتما إلى الزيادة الكبيرة على طلب المواد الغذائية التي يستورد معظمها من خارج وطننا العربي والتي بلغت رقما خياليا وهو (50) مليار دولار سنويا وهذا ما يؤدي بدوره إلى فقدان الأمن الغذائي وإرتهان العديد من قرارات الدول العربية إلى دول غربية في سبيل تحقيق الغذاء إلى شعوبها.
وبالتالي فإنه لا بد من وضع استراتيجة شاملة تهدف إلى إنقاص المعدلات الخيالية للإستيراد الخارجي من السلع الغذائية وتحقيق الأمن الغذائي وذلك بإعتماد ومواكبة منجزات التطور العلمي التقني في الإنتاج وعلى رأسها المشاريع الإنتاجية التي تعتمد على أكثر العلوم فائدة وهي التقانات الحيوية.
أهمية التقانات الحيوية للدول العربية
تعتبر علوم التقانة الحيوية أرضا شاسعة وخصبة تضم عدة أنواع متخصصة من التقانات الحيوية والتي ترتكز عليها العديد من الدول المتقدمة في أهم وأحدث مشاريعها الإنتاجية المربحة وبكافة إختصاصاتها (الطبية، والزراعية، والصناعية، والبيئية) ويجب العلم بأن التتطور العلمي المتسارع في كافة أنواع الصناعات والزراعة المعتمدة على التقانة الحيوية في الدول المتقدمة سوف تنافس وبشكل مباشر أو غير مباشر كافة الصناعات والزراعة دون إستثناء في دول وطننا العربي والتي ستغدو عاجزة عن اللحاق بمسيرة الصناعات الحيوية الحديثة.
ولقد طالبت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو” بتركيز اهتمامات التقانة الحيوية الحديثة منها والتقليدية على خدمة صغار المزارعين من خلال إعادة توجيه تطبيقاتها لدى الدول الفقيرة لنفعهم لا لفائدة المزارعين الأغنياء وحدهم في الدول المتقدمة والثرية.
وقال الخبير موديبو تراوريه، المدير العام المساعد لدى منظمة “الفاو” إن “التقنيات الحيوية تتيح أدوات فعّالة لقطاع الزراعة، بما في ذلك الموارد السمكية والحراجية”، متحدثا أمام المؤتمر التقني الدولي للتقانات الحيوية الزراعية لدى البلدان النامية، الذي إنعقد في مدينة غوادالاهارا في المكسيك, حيث أضاف قائلاً “إن التكنولوجيا الحيوية إلى الآن لم تخلِّف أثراً ذا شأن في حياة السكان على امتداد أكثرية البلدان النامية”، معددا “نقص التقنيات الملائمة والمفيدة، وغياب السياسات والقدرات التقنية والبُنى التحتية الضرورية لتطوير هذه التكنولوجيا وتقييمها ونشرها في معظم البلدان النامية”.
وهذا ينطبق تماما على دولنا العربية التي هي في أشد الحاجة الماسة لإدخال وإعتماد مشاريع التقانة الحيوية والتي بوسعها أن تقدّم مساعدةً بالغة في مضاعفة الإنتاج الزراعي وإنتاج الأغذية وهذا ما أكدته منظمة “الفاو” بحلول العام 2050، وفي التصدّي لأوضاع عدم الثقة الناجمة عن ظاهرة تغيُّر المناخ.
تعريف التقانة الحيوية Biotechnology
هي التقنيات التي تستخدم الأحياء أو أجزاء منها أو مواد منها وذلك بهدف إنتاج أو تحوير منتج أو تحسين النباتات أو الحيوانات أو الكائنات الدقيقة لأهداف محددة مفيدة.
أنواع التقانات الحيوية وطرق الإستفادة منها
يوجد عدة أنواع من التقانات الحيوية المختلفة في إختصاصاتها وفوائدها وفيما يلي نذكر أهم تلك التقانات الحيوية وبعضا من إنجازاتها الهامة:
1- التقانة الحيوية الحمراء (Red Biotechnology)
هي التقانة الحيوية التي تتخصص في المجال الطبي البشري. وفيما يلي نذكر بعضا من الإنجازات والإكتشافات الهامة التي تحققت بفضل التقانة الحيوية الحمراء:
1- إنتاج المضادات الحيوية (Antibiotics) إنطلاقا من الكائنات الحية.
2- إنتاج اللقاحات الحيوية من الكائنات الحية الممرضة.
3- إنتاج الأدوية الحيوية المصدر مثل الانسولين وغيره..
4- العلاج الجيني (Gene Therapy) والذي يعني معالجة الأمراض الوراثية في البشر بإستخدام التقانة الحيوية في نقل وتعديل الجينات
5- إمكانية زرع أعضاء جديدة بإستخدام المحتوى الوراثي لخلية المريض نفسه بدلا من نقلها من عضو متبرع أو من إنسان ميت.
6- إكتشاف تحليل الحمض النووي (DNA) والذي يلعب دورا كبيرا في قضايا اثبات النسب أو القرابة وفي الطب الشرعي.
7- إكتشاف فحوصات الحمض النووي والتي تتم ما قبل الزواج لمعرفة إحتمال الإصابة بالأمراض وخاصة الأمراض الوراثية وإحتمال إنتقالها في الأجيال القادمة.
8- استخدام الهندسة الوراثية لمعالجة الأمراض المستعصية.
9- إستخدام الهندسة الجينية في عزل (الطفرات) الضارة .
10- إنتاج أدوية خاصة إنطلاقا من المحتوى الجينى لفرد ما (Genetic pharmacology).
2- التقانة الحيوية الخضراء (Green Biotechnology)
هي التقانة الحيوية التي تتخصص في المجال الزراعي. وفيما يلي نذكر بعضا من الإنجازات الهامة التي تحققت بفضل التقانة الحيوية الخضراء وذلك من مخابرها الخاصة وفي مخابر زراعة الخلايا والأنسجة النباتية:
1- إنتاج كافة الأشتال النسيجية (Tissue Culture) المصدر ذات الفوائد المتعددة من ( فواكه، خضار، نباتات زينة، أزهار قطف، نباتات برية، طبية، عطرية..) ذات الإنتاجية العالية وبمواصفات دولية تمكننا من تصديرها إلى كافة دول العالم.
2- إنتاج المحاصيل ذات القيمة الغذائية العالية في نسب (الفيتامينات، البروتين، السكر، الزيت).
3- إنتاج نباتات مقاومة للحشرات والأمراض التي تصيبها وبالتالي عدم إستخدام المبيدات السامة والضارة بالإنسان والبيئة.
4- إنتاج النباتات ذات الموطن الأصلي للدولة ومقاومة للظروف البيئية القاسية من ( إرتفاع في درجات الحرارة والجفاف وغيرها ..).
5- إنتاج محاصيل و نباتات ذات مواصفات خاصة تكون مصادر جديدة للمواد الخام اللازمة لصناعة ( البلاستيك والدهانات والألياف الصناعية والمواد اللاصقة والمنظفات) ذات المصدر العضوي وليس البترولي أو الكيميائي.
6- الزراعة النسيجية تؤدي إلى مضاعفة كميات المحاصيل الناتجة بواسطة علوم التقانة الحيوية وإختزال الوقت اللازم للإكثار والإنتاج بطرق الزراعة الشائعة وبالتالي المساعدة على القضاء على المجاعات وإرتفاع أسعار المواد الغذائية.
7- إنتاج المبيدات الحشرية الحيوية والعضوية من مصادر طبيعية غير كيميائية لا تضر بالإنسان والبيئة وكافة أشكال الحياة.
8- إنتاج الأسمدة العضوية والحيوية من مصادر طبيعية غير كيميائية وغير ضارة بالإنسان والبيئة.
3- التقانة الحيوية البيضاء (White Biotechnology)
هي التقانة الحيوية التي تتخصص في المجال الصناعي. تعتبر التقانة الحيوية البيضاء من أكثر التقانات إستخداما و إنتشارا في دول العالم المتقدمة , ولقد أدخلت هذه التقانة تعديلات جزرية في العديد من الصناعات القديمة مثل صناعة (النسيج والورق والبلاستيك وبعض الأدوية) وأنتجت العديد من المنتجات التي كان لها الأثر الكبير في عالمنا. وفيما يلي نذكر بعضا من الإنجازات الهامة التي تحققت بفضل التقانة الحيوية البيضاء:
1- استخدام الكائنات الحية لإنتاج مواد كميائية بالطرق الحيوية بدلاً من الطرق الصناعية الملوثة.
2- التصنيع الدوائي الحيوي للعديد من الأدوية ومنها إنتاج (الفيتامينات).
3- إنتاج المواد الحيوية الخاصة بمعالجة الأنسجة والجلود.
4- إنتاج البلاستيك القابل للتحلل العضوي.
5- إنتاج مواد لاصقة من مصدر نباتي ومن المتوقع أن تشكل هذه المادة بديلاً للمواد اللاصقة ذات الأصل البترولي السام والملوث للبيئة.
6- إنتاج منظفات ذات أصل نباتي عضوي غير كيميائي وقد أثبتت هذه المنظفات كفاءة عالية في التنظيف.
7- إنتاج أنواع من البوليميرات الحيوية (Bio polymer) المطوّرة الجديدة والتي تدخل في صناعات النسيج والأقمشة والأثاث.
4- التقانة الحيوية الزرقاء (Blue Biotechnology)
هي التقانة الحيوية التي تتخصص في مجال المياه (المحيطات، البحار، الأنهار، البحيرات ..) وفيما يلي نذكر بعضا من الإنجازات الهامة التي تحققت بفضل التقانة الحيوية الزرقاء:
1- دراسة المحتوى الحيوي من الكائنات الحية في (المحيطات، البحار، الأنهار..).
2- دراسة تتطور الكائنات الحية البحرية في بيئاتها المختلفة.
3- إكثار العديد من الكائنات الحية المائية وإطلاقها ومراقبتها في بيئاتها الجديدة .
4- دراسة تأثير كافة أنواع التلوث الذي يلحق الأذى والضرر بالكائنات البحرية بكافة أنواعها.
5- إنتاج العديد من المواد (العضوية والطبيعية) التي تقوم بمكافحة التلوث المائي بأنواعه.
6- وضع الحلول والأليات الخاصة بعمليات الإستزراع المائي والبحري.
5- التقانة الحيوية البيئية (Environmental Biotechnology)
هي أحد أهم أنواع التقنيات الحيوية وهو التقنية التي تهتم بتطبيقات التقنية الحيوية في المجالات البيئية ويعرف باسم الموجة الرمادية أو الجيل الثالث للتقنية الحيوية (تتشارك في هذا الجيل مع التقنية الحيوية الصناعية). وفيما يلي نذكر بعضا من الإنجازات والتطبيقات الهامة التي تحققت بفضل التقانة الحيوية البيئية :
1- إنتاج المواد الفعالة باستخدام الكائنات الحية Bioremediation للتخلص من ملوثات التربة والمياه.
2- إنتاج المواد الفعالة التي تحد من ظاهرة التلوث بالمغذيات وحدوث ظاهرة التخثر على السطوح المائية Eutrophication والتي تحدث غالباً نتيجة تلوث مياه الأنهار والبحيرات من زيادة تركيز مركبات النيتروجين والفوسفور التي يحملها لها الصرف الصحي والصناعي مما يؤدي إلى نمو الطحالب والنباتات العالقة بشكل كثيف.
3- إنتاج الوقود والغاز الحيوي Biofuel الذي ينتج عضويا لإنتاج طاقة نظيفة .
4- إنتاج المواد المتلاشية حيوياً ( إنتاج مواد بلاستيكية ذات أصل عضوي وليس بترولي قابلة للتحلل الحيوي الذاتي بعد فترة زمنية محددة).
5- إنتاج الكاشفات الحيوية Bioindicators من منشأ حيوي عضوي.
6- إكتشاف الإختبارات الحيوية Bioassays والتي تساعد في معرفة العديد من العمليات االحيوية.
7- إنتاج المواد الفعالة الحيوية التي تقوم على معالجة الفضلات بيولوجيا Bio Waste treatment مثل معالجة النفايات ومياه الصرف الصحي دون أن يكون لها أي تأثير ضار على البيئة.
وفي الختام يمكن القول بأنه من الضروري على كافة الدول العربية إدراج كافة أنواع المشاريع والتي تعتمد على التقانات الحيوية في إستراتجياتها وسياساتها الإقتصادية وإعتماد نهجٍ مستَجد في إدارة البحوث والتطوير الزراعي من أجل تدعيم أهداف التطبيق الأوسع نطاقاً والأكثر ترشيداً للتنوّع الحيوي الزراعي وذلك في خدمة التنمية الزراعية ودعم أهداف الأمن الغذائي , بالإضافة إلى تمكين الدعم المؤسسي، والاستثمار في رؤوس الأموال البشرية والمادية وفي بناء القدرات القُطرية للبُلدان. كما ينبغي عليها تصعيد مشاركة المزارعين والمؤسسات والمجتمعات المحلية سواء بسواء في إعتماد تلك التقانات , دون أن ننسى الدور الهام الذي يلعبه المجتمع الدولي وبشكل رئيسيّ في دعم البلدان النامية من خلال توطيد الشراكات وتهيئة إطار للتعاون والتمويل الدوليين، بغية توليد التقانات الحيوية الملائمة والتكيف لها وتبني تطبيقاتها التي تعتمد عليها كافة دول العالم المتقدم في مشاريعها المستقبلية القريبة والبعيدة المدى.
إقرأ ايضا:
1- بعض مساوئ التقانة الحيوية – جريدة الرياض