كتبت مرة مقالا خاصا يستهدف الأطفال بعنوان دودة الأرض .. فاعترض الكبار! لذلك قررت أن أكتب عنها مجددا ليتعرف الكبار عليها و على أهميتها، و بتزامن مع سلسلة المقالات المتعلقة بالزراعة العضوية التي تكتبها أسبوعيا المهندسة أنيسة. إضافة إلى ذلك ستتعرف في التدوينة على كيفية تربية ديدان الأرض (قد تبدو لك فكرة مجنونة) في منزلك أو حديقتك و جدوى ذلك و علاقته بزراعتك.
تسافر دودة الأرض (earthworm) تحت التراب بتقليص و تمديد جسمها. و يساعدها في ذلك سائل لزج كالمخاط تُفرزه من جلدها أثناء تنقلها تحت الأرض. تشكل عملية التنقل هذه مصدرا أساسيا لتهوية التربة و حرثها و بالتالي تساعد على تصريف الماء الزائد من التراب، مما يجعله أكثر خصوبة و جهوزية للزرع. لذلك فدودة الأرض هي صديقة المزارع الذي يحرص على زراعة عضوية، لأنها تساهم في بناء تربة عضوية خصبة بلا مواد و أسمدة كيميائية.
يقدر العلماء أن هناك حوالي خمسة آلاف دودة أرض في كل 4000 متر مربع من التراب. و هناك حوالي 2700 نوع منها يسكنون الكرة الأرضية. يتراوح طولها بين 1 سنتمتر و 4 أمتار، إذ تدعى أطولها بـ Giant Gippsland Earthworm و تتواجد في أستراليا و جنوب أفريقيا، و تظهر لك في الصورة التالية. تعيش ديدان الأرض في أنفاق عميقة و مظلمة إذ لا يمكنها أن تتحمل أشعة الشمس الحارقة خلال الصيف، لكنها تصعد إلى الطبقات العليا من التربة ليلا. و تغادر الدودة أنفاقها أثناء المطر، لهذا ستكتشف بعد شتوة قصيرة العديد منها في حديقتك.
منافع دودة الأرض
الجميع يحبها، بمن فيهم المزارعين و البستانيّين و علماء التربة، بسبب المنافع التي تجلبها للمحاصيل و النباتات و الحيوانات و البشر. تقوم دودة الأرض عادة بإلتهام أوراق الأشجار الصغيرة المتساقطة و تُخرجها كفضلات غنية بالعناصر الغذائية. تلك العناصر أو المواد العضوية تتحل بعد ذلك بواسطة الميكروبات في التربة لتصبح مواد قابلة للإمتصاص من قبل النبات.
الآن تصور أن ليس هناك ما يدعى دودة الأرض، ماذا كان سيحصل في عالمنا؟ لابد أن الله سبحانه و تعالى أوجد كل شيىء ليكون له مهام خاص، فإن حصل خلل ذريع في مكان ما، ستصاب دورة الحياة بكارثة مميتة، و من هنا لابد أن نؤمن يقينا أن “كل شيىء خلقناهُ بقَدَر”.
جُحُور ديدان الأرض
إن الأنفاق التي تحفرها دودة الأرض في التراب هي بحد ذاتها خدمة كبيرة للأشجار و النباتات. تعمل تلك الأنفاق على تهوية التربة، مما يؤمّن لجذور تلك النباتات دخول الأوكسجين الذي تحتاجه. و من هنا يمكنك أن تعتبر دودة الأرض “المحراث الطبيعي” الذي لا يتوقف عن العمل. و تساعد أنفاقها أيضا في السماح للتربة بإمتصاص مياه الأمطار جيدا، تلك المياه التي تحمل معها من الأعلى مغذّيات عضوية و غير عضوية تستفيد منها الجذور. تقوم الجذور بإمتصاص ذلك الماء و تعالجه لتستفيد منه النبتة في نموها.
دورة الحياة
تعتبر دورة الأرض من الكائنات الخُنثية (hermaphrodite) مما يعني أنها تحمل أعضاء تناسلية ذكرية و أنثوية معا، و أن جميعها يبيض. و عندما يحين وقت التزاوج تراها تتجمع بالمئات فتشكل كتلة واحدة، تماما كما تفعل الأفاعي عند تزاوجها.
دودة الأرض كما يراها الجميع
إذا شاهدت دودة أرض تتحرك فوق التراب، ستلاحظ أنها تزحف بمدّ جسمها ثم تقليصه و رأسها هو الجزء الدقيق المروّس الذي يتقدّمها. و رغم أنّ لا عينين لها و لا أذنين، تستطيع أن تحسّ الترددات الناتجة عن تحرّك إنسان أو حيوان ما في محيطها. أليس هذا رائعا؟ أرى البعض يقول “ليتني دودة أرض!” :)
حسنا هناك المزيد. تملك دودة الأرض 5 قلوب و دماغ. ليس لدودة الأرض رئتان، فهي تتنفس عبر جلدها، لهذا تفضل دائما البقاء تحت التراب حيث الرطوبة، فإن جفّ جلدها تختنق و تموت. و إن كنت في أيام الطفولة قد قطعت دودة أرض لنصفين و حزنت على ما فعلت، أبشّرك أن دودة الأرض تملك القدرة على إعادة بناء الأجزاء التي تفقدها من جسمها.
غير الأصدقاء
لكل مخلوق عدو، و دودة الأرض عدوها العصافير و بالتحديد طائر أبو الحنّاء (Robin). تتسائل ما هو؟ إنه طائر مشهور عندنا في لبنان و لا أدري إن كان موجودا في دول الخليج العربي و شمال أفريقيا … و لعل هذا الطائر تأخر قليلا على فراخه الجائعة يوما، فقال أحدهم: “لكل طائر خلق الله طعام، و لكن ليس أمام العش دائما!”.
ما رأيك بتربية القليل من الديدان؟
قد تظنني أمزح، وهي بالفعل فكرة غريبة علينا، لكن العديد من الناس يفعلونها – في الغرب طبعا – و لكي تقوم بذلك تحتاج إلى منزل (إن لم تكن مشردا) أو إلى حديقة. الغرض من تربية دودة الأرض هو الإستفادة من مخلفاتها من التربة التي تربيها فيها، إذ تستخدمها في زراعة الأصص مثلا.
ستستفيد أيضا في:
1- التخلص من مخلفات حديقتك من أوراق الأشجار و غيرها بطريقة “محترمة” و حضارية.
2- تحويل تلك المخلفات إلى مواد غنية بالمغذيات تستفيد منها النباتات.
3- صنع الكمبوست لإستخدامه كبيئة للزرع في الأصص.
4- صنع المحلول العضوي المغذي لرشه على أوراق النباتات التي تمتصّه.
5- تُثلج قلب رجل يحب أن يرى قومه يأكلون مما يصنعون – أنا!
المعدات التي ستحتاجها:
1- وعاء – أيا كان حجمه أو نوعه، و مثقوب من الأسفل لتصريف الماء.
2- جريدة – لا يهم إن كانت رسمية أو لا تتبع الحزب الحاكم!
3- القليل من قشور البيض المتكسّرة.
4- بعضا من التربة.
5- بعضا من السماد العضوي – روث الحيوانات (الزبل).
6- بعضا من الأوراق المتساقطة في حديقتك و بقايا طبخ المنزل من الأرز و المعكرونة و الخبز المبلّل.
7- بالطبع، و هذا قبل كل شيىء، تحتاج إلى الديدان – التي ستشتريها من محلات معينة!
بالمناسبة، أيها الأطفال، الديدان لا تصلح للأكل! (إضغط لتكبير الصورة)
هيا بنا. مزّق الجريدة لقطع صغيرة و انقعها في الماء لثوان معدودة ثم إجمعها مع التربة و قشور البيض و اخلطها سويا بحيث تكون النسبة الأكبر من الخليط ترابا. ضع قطعة قماش \ جريدة مبللة في قعر الوعاء و ضع فوقها التراب الذي خلطّه للتو، و لتكن طبقة التراب لا تقل عن 10 سنتمتر. الآن ضع الديدان فوق التراب في غرفة مضيئة لساعتين حتى تطمر نفسها – و تذكر أن الديدان لا تحب الضوء، لذلك تعيش تحت التراب. بعد أن تطمر نفسها، ضع الأوراق المتساقطة من الأشجار فوق التراب و زد عليه السماد العضوي. و احرص أن تكون كمية الأوراق و السماد ضعف وزن الديدان التي إشتريتها لأن الدودة الواحدة تأكل ضعفي وزنها يوميا.
الآن تذكر دائما أن تسمح للديدان بتنفس الأوكسجين، لذلك قلّب التربة بيديك بين حين و آخر دون أن تؤذيها. غطّ الوعاء الذي تربي فيه الديدان تاركا مجالا صغيرا لدخول الضوء، و هذا سيحافظ على حرارة الوعاء، و حبذا لو كان الغطاء مصنوعا من الورق لأن الديدان ستستفيد منه فتأكله في حال نسيت أن تطعمها!
لائحة المأكولات (menu)
لا تتوقع من الديدان أن تأكل الطعام بشراهة إن وضعته لها كما هو “as is” خاصة إذا كان عبارة عن تفاح و بطاطا و موز و غيرها من الوجبات التي نحبها. لذلك قدّم لها كل شيىء مطحون أو مبلّل و قد شارف على التلف.
اللائحة التي تقتات منها الديدان فإذن هي:
التفاح و الموز و الفاصوليا و الكراث و الخضراوات الأخرى، إضافة إلى الحبوب و الحنطة و الحمضيات و الورق و كل المؤكولات المصنوعة منها. لكن إياك أن تضع لها اللحم لأنه يجذب الحشرات، و أعرض عن إعطائها الكثير من الحمضيات و البصل لأنها تحتوي الأسيد الذي لا تحبه الديدان كثيرا. و تفاد أيضا أن تطعمها الحشائش لأنها تسبب إرتفاعا في الحرارة داخل الوعاء إن تكدّست فوق بعضها.
و الآن هل لازلت تفكر في إقتناء قطة أو كلب؟
أعد حساباتك!
بأمان الله.